► السابق | التالي ◄ |
كتب- عبدالله بن محمَّد البهلاني: في إطار الموسم الثقافي السَّابع لجامعة نزوى، والَّذي يأتي هذا العام تحت شعار "الإتقان أهمّ قيم المواطنة" استضافت الجامعة يوم السبت (19/3/2011م) سماحة الشَّيخ أحمد بن حمد الخليلي – المفتي العام للسَّلطنة-، حيث ألقى محاضرةً بعنوان "الإصلاح وشكر النِّعمة"، تحدَّث في بدايتها عن أهميَّة موضوع الإصلاح وشكر النِّعمة، وقال: لا ريب أنَّ حديثنا في هذه الأمسيَّة حديثٌ مهمٌّ جدًا؛ لأنَّه يتعلَّق بجانبين: بجانب الإصلاح، وبجانب الشُّكر، وكلٌّ منهما مهمٌّ؛ إذ الإنسان مطالبٌ بأن يَصلُح ويُصلِح، وأن يتقي الفساد بجميع أنواعه، كما أنَّه مطالبٌ أن يشكر كلَّ نعمةٍ أنعمها الله – سبحانه وتعالى- عليه.
وتطرَّق سماحة الشَّيخ إلى معنى الإصلاح ومفهومه، وقال: إنَّ كلمة الإصلاح ذات نبرةٍ طنَّانة تستهوي القلوب؛ فلذلك يسخِّرها كلُّ إنسانٍ لأجل يسعى إليه ويهواه، فالنَّاس جميعًا يحاولون أن يدُّعوا أنَّهم مصلحون في كلِّ ما يدعون إليه وفي كلِّ ما يعملونه وفي كلِّ نهجٍ ينهجونه في هذه الحياة، والله – سبحانه وتعالى- بيَّن هذه الطَّبيعة في حياة البشر؛ فعندما تحدَّث عن المنافقين قال: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنَّما نحن مصلحون) ثمَّ ردَّ عليهم بقوله: (ألا إنَّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). وأضاف سماحته: من هنا نرى أنَّ جميع أصحاب الأفكار وجميع أصحاب التَّوجُّهات مهما كانت أفكارهم، ومهما كانت توجُّهاتهم يصفون هذه الأفكار ويصفون هذه التَّوجُّهات بالإصلاح. بعد ذلك عرضَ سماحة الشَّيخ عددًا من الأمم والمجتمعات السَّابقة الَّتي ادَّعت الإصلاح مع ضلالها وبعدها عن الحق. وبيَّن أن كلمة الإصلاح كلمةٌ مطَّاطة يمكن أن تستخدم في أيِّ اتَِّجاه، ولدعم أيِّ فكر، ولبعث أيِّ تصوُّر؛ لأنَّ من شأن النَّاس أن يتَّقوا الإصلاح. وقال: أنَّ الإصلاح الحقّ هو أن يرجع الإنسان إلى الله، وأن يحاول رَجْع البشريَّة إلى الله، هذا هو الإصلاح الَّذي أرسل به الله –سبحانه- رسله، وأنزل من أجله كتبه. وأوضح سماحة الشَّيخ أنَّ الأمة الإسلاميَّة ينتابها ما ينتاب غيرها من الأمم من الأمراض المعديَّة ومن أنواع الطوارئ الَّتي تطرأ عليها؛ ولذلك هي في كلِّ دورٍ في حاجة إلى الإصلاح. كما أكَّد سماحته أنَّ الأمة الإسلاميَّة بحاجةٍ إلى الإصلاح من عدَّةِ نواحٍ، وقال: الأمَّة بحاجةٍ إلى الإصلاح من حيث العقيدة والفكر، وبحاجة إلى الإصلاح من حيث السِّياسة والاجتماع، وبحاجةٍ إلى الإصلاح من حيث الأخلاق والاقتصاد، وبحاجة إلى الإصلاح من حيث التَّعليم؛ بل الأمَّة كلها بحاجة إلى الإصلاح.
وتحدَّث سماحته عن الإصلاح الفكري، وقال: فمن ناحية الفكر كانت الأمة بحاجة إلى الإصلاح؛ لأنَّ التَّصوُّر الصحيح هو الَّذي ينبني عليه العمل الصَّالح، وتنبني عليه الأخلاق الفاضلة، ويصدر عنه السُّلوك المستقيم، ولذلك نحن نرى أنَّ الله –سبحانه وتعالى- عندما أرسل رسله كان كلُّ رسولٍ من أولئك الرُّسل إنَّما يدعو أوَّل ما يدعو إلى التَّصوُّر الصَّحيح، كما قال –سبحانه وتعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) ويقول: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). وأوضح سماحة الشيخ أنَّ القاعدة الَّتي جاء بها رسل الله – تعالى – أجمعين هي قاعدة التَّوحيد (لا إله إلَّا الله)، وهذه الكلمة قد يتصورها البسطاء من النَّاس أنَّها كلمةٌ بسيطةٌ، وأنَّها لا يترتَّب عليها كبير عناءٍ في هذه الحياة باتِّباعها وحسب الإنسان أن يقولها، ولكن هي في الحقيقة كلمةُ ينبني عليها تحويل مجرى الحياة جميعًا، وأنَّ القرآن الكريم جاء يترجم هذه الكلمة سواء من حيث الأخلاق أو من حيث الاجتماع أو من حيث العبادة، واستشهد سماحته لذلك بآياتٍ من القرآن. وفيما يتعلَّق بالنَّاحية الاجتماعيَّة أوضح سماحة الشَّيخ أنَّ الله تعالى بيِّن لنا في كتابه العزيز أنَّه ليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب، وليس بينه وبين أحدٍ من خلقه سببٌ إلَّا التَّقوى، فلا تفاضل بين النَّاس بالأنساب والأحساب ولا بالمناصب والأموال، إنَّما النَّاس سواسيةٌ بين يدي الله تعالى، فالله سبحانه يقول: (يا أيها النَّاس إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، إنَّ الله عليم خبير). وهذا يعني أنَّ المنهجيَّة الَّتي تكون في الحياة هي منهجيَّة خضوعٍ وانقيادٍ لأمر الله تعالى؛ لا فرق بين أعلى قمَّةٍ وبين أنزل القاعدة، النَّاس كلهم على قدم المساواة. بعد ذلك تطرَّق سماحته إلى ذكر أصناف من النَّاس انحرفت فكريًا في عقيدة التَّوحيد. وقال: إنَّ الأمَّة بحاجة إلى أن يكون هناك إصلاحٌ من حيث الفكر، وهذا يعني أن تبنى العقيدة على الأسس السَّليمة، وأن يحتكم إلى الله، وأن يحتكم فيها إلى رسوله –صلى الله عليه وسلَّم- من خلال الرِّوايات الثَّابتة الصَّحيحة. أمَّا من حيث حاجة الأمَّة إلى الإصلاح السِّياسي فقد دعا سماحته إلى مراجعة تلك الأفكار الَّتي حشيت بها أدمغة الأمة من أول عهدٍ بعد انتهاء الخلافة الرَّاشدة وتسلُّط بني أميَّة على الحكم، وهي أنَّ كلَّ أحدٍ مهما كان من بطش الحاكم به، وجوره في نفسه وماله، وتصرُّفه فيه بغير ما أذن الله، عليه أن يطيعه كما يطيع ربَّه –سبحانه وتعالى- وكما يطيع الرَّسول –عليه الصَّلاة والسَّلام- والنَّاس وقعوا في أمرٍ مريبٍ بسبب هذه المخلَّفات من هذه النَّظريَّات الَّتي تراكبت على عقولهم على مرِّ التَّاريخ؛ ولذلك وقعوا الآن في كثيرٍ من الاضطراب، فقد وجدت فتاوى متعدِّدة لها اتِّجاهاتٍ متعدِّدة بتأثير هذه التَّراكمات عبر التَّاريخ.
وأوضح سماحة الشَّيخ أنَّنا بحاجة إلى الإصلاح الاجتماعي وذلك يكمنُ في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وهي فريضةٌ فرضها الله على الأمَّة (ولتكن منكم أمَّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) فهذا هو سبب خيريَّة هذه الأمَّة، وعندما تتخلى عنه الأمة تتخلَّى عن خصائصها وتتخلَّى عن واجبها المقدَّس، وتتخلى عن أسباب عزَّتها وكرامتها. وضرب سماحته لذلك أمثلةً في الأمر بالمعروف والنَّهي على المنكر وركَّز على وجوب صون الرُّجل لكرامة المرأة وصون المرأة لكرامة الرُّجل، ومن ذلك تربية الحياء في الرِّجال والنِّساء جميعًا فالحياء شبعةٌ من الإيمان، ولذلك يجب أن يربى الرُّجل على العفَّة والحياء من أول الأمر منذ طفولته الأولى، وتربى المرأة أيضًا منذ طفولتها على العفَّة والحياء، وهذا يقتضي أن لا يسمح بالاختلاط الَّذي لا حدود له ولا ضوابط، بل كلما كانت المرأة بمعزل عن الرَّجل من حيث الدِّراسة ومن حيث العمل، كان ذلك أفضل لها، وكذلك بالنِّسبة للرَّجل، وقال: نحن اطلعنا الآن في بعض ما قرأناه الآن أنَّه في بريطانيا رأوا أن المدارس غير المختلطة أنجح من المدارس المختلطة، وكثيرٌ من البريطانيين يحاولون أن يعلموا أولادهم في المدارس الإسلاميَّة الخاصَّة؛ لما فيها من المحافظة على هذه النَّاحية. كما تطرَّق سماحته إلى الإصلاح من حيث القوانين بحيث تحكَّم شريعة الله سبحانه وتعالى، وتقام حدوده، وأكدَّ أنه لا يضبط الإنسان إلا ذلك، عندما كانت تحكَّم شريعة الله وتقام حدوده كان الأمن ضافيًا على مشارق الأرض ومغاربها، وهي النَّاحية من الأهميَّة بمكان فهي معنى الإصلاح في الأرض. ثم تحدَّث سماحته عن الإصلاح الاقتصادي ودعا إلى منع التعامل الرَّبوي واستدلَّ على ذلك بأمثلة تاريخيَّة تدلُّ على خطورة المعاملات الرَّبوية على قيام الأمم واقتصادها، كما استدلَّ بدعوة بابا الفاتيكان الغرب إلى الاستفادة من الاقتصاد الإسلامي. وفي ختام المحاضرة أكَّد سماحته أنَّ الإصلاح في هذه الأمَّة يكون بالعودة إلى المنهج الحكيم في كتاب الله وسنَّة نبيَّه –صلى الله عليه وسلَّم- وقال: إنَّ الدَّواء لهذا الدَّاء هو في كتاب الله، ولن تعزَّ الأمَّة إلا بالإسلام واستشهد بقول عمر –رضي الله عنه-: "نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله".
|