|   24 يوليو 2024م
السابقالتالي


الدكتور غسان الشاطر

عقد مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية حديثا صحفيا حول القضايا المهمة والأفكار النابعة من وعي ثاقب بماضي اللغة وواقعها ومستقبلها مع الدكتور غسان حسن الشاطر -مدير معهد الضاد لتعليم العربية للناطقين بغيرها في جامعة نزوى- .

وقد بدا الحديث بالتعرض لمحطات عديدة من حياة الدكتور الشاطر حيث كانت من أبرز المحطات التي توقف عندها وأثرت في تكوينه هي التي كانت إبان التحاقه بجامعة ديكن بأستراليا للحصول على درجة الدكتوراه، وكذلك أثناء العمل في التدريس وتصميم المناهج في تلك الجامعة وقال بأن هذه الحقبة من أكثر سنوات حياته صعوبة وأنه واجه متاعب اللغة. وعن ما تعلمه خلال تلك الفترة تحدث قائلاً: "علمتني تلك الأيام أن من قال: لكل مجتهد نصيب" قد أصاب في قوله، وعلمتني قبل ذلك أن "من توكل على الله فهو حسبه"؛ لذلك فإنني خططت لنفسي نهجًا في الحياة أساسه: كن مع الله ولا تبالِ، و أعقِل وتوكل، و إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه."

 

 هذا ويرى الدكتور غسان بأن مصممي مناهج العربية سواء أكانت لغة أولى أم ثانية ما زالوا يفتقدون إلى عناصر ضرورية جدًّا من أجل الوصول إلى منهج مقنع، ومن أبرز تلك العناصر: المعايير، ويقصد هنا المعايير جميعها المتعلقة بالعملية التربوية، أيضا التأهيل السليم للمعلمين. حيث قال:"ما زلنا في حاجة إلى عمل وجهد كبيرين من أجل أن نصل إلى مرحلة نكون فيها راضين عن إنتاجنا المتعلق بتصميم مناهج العربية لغة أولى ولغة ثانية."


وحول موضوع تأسيس معهد الضاد لتعليم العربية للناطقين بغيرها في جامعة نزوى، قال الدكتور: "تأخذ الجامعة على عاتقها نشر العربية بين شعوب الأرض، وتدريب مدرسيها، ونشر الأبحاث المختصة باكتساب وتعليم اللغة الثانية على وجه العموم واللغة العربية لغة ثانية على وجه الخصوص". حيث استطاع المعهد أن يدرس أكثر من ستين طالبًا وطالبة في العام الدراسي 2015/2016م.

وأثرى هذا الموضوع بإضافة رأيه في تطور الخطط التعليمية في هذا المجال، وقال: "من الصعب القول بأننا وصلنا إلى مستوى مرضٍ أو مقنع في تصميم خطط تعليم العربية لغير الناطقين بها، هناك معيقات يجب التعامل معها، ومتطلبات يجب علينا تحقيقها بهدف تهيئة بيئة مناسبة لتصميم مثل تلك الخطط، والتي بدورها تشكل قاعدة ضرورية لاستنباط السلوك اللغوي لدى متعلم العربية لغة ثانية، والذي بدوره يشكل القاعدة الأساس في وضع أية خطة تعليمية، أو تصميم أي برنامج تعليمي، أو حتى إنتاج المواد التعليمية نفسها. معظم الممارسات في مجال تعليم العربية لغير الناطقين بها تستند في الأساس إلى تجارب شخصية لمهتمين بهذا المجال، أو مدرسين فرضت عليهم الظروف تدريس العربية لغير الناطقين بها."

ويرى الشاطر بأن الوضع ما زال في مرحلة الحمل، ولم يصل إلى مرحلة الوضع، وأنه يحتاج إلى بعض الوقت حتى يصل إلى المرحلة التي ينضج فيها فكر عربي علمي في مجال اكتساب العربية لغة ثانية وتعلمها وتعليمها، ويزدهر فيه ذلك العلم.

وحول الصعوبات التي تواجه تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بيّن الدكتور بأنه يجب على المنهاج أن يقدم فرصًا كافية للمتعلم كي يمارس ما تعلمه واكتسبه في سياقات ومواقف تعليمية حقيقية أو تحاكيها، وهذا ما لا يتمكن المنهاج المتبع في بلاد غير عربية من تقديمه لأسباب عدة، منها: قلة الفرص المتاحة للممارسة، وبالتالي تثبيت الاكتساب، والغياب التام للمواقف الطبيعية في ممارسة اللغة لأنها تكتسب في بيئة أجنبية غير حاضنة، وتقليل المهتمين بتدريس العربية لغة ثانية من أهمية هذه المرحلة.  وأضاف: "إذا راقبنا الطفل الذي يكتسب لغته الأم نجده يبدأ بفهم المسموع، ثم التحدث، وتأتي مهارات القراءة ومهارات الكتابة لاحقًا وهذا ما يجب أن نضعه في الحسبان عندما نقدم العربية لغة ثانية لغير الناطقين بها".

كما تحدث الدكتور عن الجهود المبذولة لتنال اللغة العربية قدرا من الاحترام والتمكين قائلاً" لا شك لدي في أن غياب المظلة العامة لجهود تمكين اللغة العربية وضعف جهود المظلات الحالية مثل منظمة العالم الإسلامي، أو جامعة الدول العربية له أثر كبير في تبعثر الجهود وقلة تأثيرها في واقع اللغة العربية؛ لذلك فإنني أدعو منظمة العالم الإسلامي و جامعة الدول العربية إلى تكثيف جهودهم من أجل تشكيل مظلة تجمع الجهود جميعها وتنظمها وتؤطرها ضمن أطر مؤسسية مبرمجة، وبغير ذلك فإن هذه الجهود ستبقى مشتتة، وسيبقى أثرها سطحيًّا وبطيئًا."
كما يرى بأن السبب الأول للهث العرب وراء كل ما هو أجنبي، وتوقير أبناء العروبة وشبابها للغات الأجنبي وشعورهم بالحياء عند النطق بالفصحى وأحيانًا بالازدراء هو المختصين، والمهتمين، والعاملين في مجال العربية بجميع أشكاله وفروعه. وأن الجهد المبذول من قبل هؤلاء لا يتعدى الاجتماعات ومؤتمرات التنظير في غالب الوقت، وأنه لا نلحظ إنتاجًا ملموسًا لهم يساهم في حل المشكلات، بل على العكس من ذلك نرى المشكلات تتفاقم، ونرى وضع العربية في تراجع. وقد وجه دعوة للمؤسسات والهيئات المهتمة باللغة العربية إلى وقفة تقييمية تعيد فيها حساباتها، وتحدد أولوياتها، وتضع في الحسبان وضع خطط عملية للمشاكل التي تعيشها هذه اللغة العظيمة، وتنطلق في ذلك من أرض الواقع. وتمنى أن ينشأ حوار بين المهتمين والمخططين من أجل توضيح الصورة، بما يعود بالفائدة على اللغة العربية، وأهلها.

 وختم الدكتور غسان الشاطر اللقاء متحدثا عن مستقبل اللغة ومما قاله: "اللغة العربية شمعة تحترق من أجل أبنائها، وقلب أم انتزع من صدرها بأيدي أبنائها وما زال يدق خوفًا عليهم، إنها الأم الحانية لهذه الأمة، والأب الحريص عليها، المتفاني من أجلها، والعشيرة التي تحميها وتضمها إليها وقت الضيق، والهوية التي لن تقوم لها قائمة إلا بها، ولن تتجاوز هذه الأمة متاريس الذل والهوان إلا بها، وهي المستقبل المشرق، والواقع المؤلم، وبحزن شديد أقول بأنني لست أرى في سلوكنا حكومات، ومختصين، ومهتمين، وشعوبًا ما يدعو إلى التفاؤل، ولكنني أرى في وعد الله لنا بحفظ القرآن الكريم، وما لهذه اللغة من دور في حفظه ضمانًا بأن اللغة العربية وإن مرت بأوقات عصيبة فإنها ستتغلب عليها وستنهض دومًا وتعود أقوى مما كانت. وإنني أدعو الشعوب العربية إلى إنشاء مزيد من جمعيات اللغة العربية، ووضع البرامج التي تساهم في نشر الوعي اللغوي لدى هذه الشعوب، ونشر اللغة نفسها بين أبنائها، بطرق وأساليب عصرية جاذبة".