|   28 سبتمبر 2024م
السابقالتالي


 

          وحدة بحوث الأفلاج أحد أهمّ روافد البحث العلميّ والتّطوير العلمي في جامعة نزوى؛ تلك الرّوافد الّتي تسقى من ماءٍ واحدٍ هو المعرفة، وتشقّ فلجًا واحدًا هو الإنتاج؛ لتشكّل بمجملها وظيفة الجامعة المحوريّة الثّالثة المتمثّلة في إنتاج المعرفة عبر البحث العلمي. وإنّ من مهامّ وحدة بحوث الأفلاج بالجامعة إعادة الدّور المحوري للأفلاج العُمانيّة، وتجديد الوعي المجتمعيّ بأهميّتها التّاريخيّة والحضاريّة، ومحاولة إيجاد وسائل تطويرية تتناغم والتقدّم الحضاري في إعادة إنتاجها وتحسينها، وتبصير العالم بالدّور الحيوي لتلك الأفلاج في إنعاش الحياة الإنسانيّة قديمًا وحديثًا.

زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس

          وفي هذا الإطار، وبدعوةٍ من وزارة الخارجيّة الأمريكيّة  ضمن برنامج "الزائر الدولي"، وتوثيقًا للتّعاون القائم بين جامعة نزوى والجامعات الأمريكيّة، قام الدّكتور عبدالله بن سيف الغافري – مدير وحدة بحوث الأفلاج، ومساعد عميد كلية العلوم والآداب للتّدريب- بزيارةٍ إلى جمعيّة "السّاقية" (Acequia Association) بولاية نيومكسيكو الأمريكيّة، وهي جمعيّةٌ زراعيّةٌ في مدينة البوكيركي الّتي يقطنها غالبيّة من السّكان الأصليين في أمريكا (الهنود الحمر)، وبعض من هاجروا إلى تلك البلاد من الإسبان. وقد قدّم الدّكتور عبدالله الغافري خلال زيارته للجمعيّة محاضرةً عن الأفلاج العُمانيّة وأنظمة الأفلاج العالميّة؛ بفيلمٍ تعريفيّ عن الأفلاج في السلطنة، بعدها تناول المحاضر نبذةً تعريفيةً عن تاريخ الأفلاج في السلطنة وعلاقتها بالإنسان العُماني وهندستها في عُمان. كما تطرَّق إلى أنواع الأفلاج في عُمان ومسميّاتها إلى جانب تقديم عرض نماذج من الأفلاج في بعض الدول الأخرى ومدى تشابهها مع نظام الأفلاج في عُمان. حيث تمّ شرح استخدامات الأفلاج في السلطنة ومدى اهتمام الحكومة بالأفلاج، وإدراج خمسةٍ منها في قائمة التُّراث العالميّ. وشملت المحاضرة كذلك عرضًا مصوّرًا عن نظام الفلج ومؤسّساته وارتباطه بالبيئة، وأهميّة النّظام محليًّا وعالميّا.

زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس

           وقد لقيت المحاضرة تجاوبًا كبيرًا من الباحثين والدّارسين في الجمعيّة، إلى جانب المهتمّين بنظام الرّي في العالم. وتسليطًا للضوء حول أهميّة هذه الزّيارة العلميّة، التقينا الدّكتور الغافري حيث قال: إنّ هذه الزّيارة تأتي في إطار التّعاون المتبادل بين جامعة نزوى والجامعات والمؤسسات العلميّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وتوثيقًا للعلاقات العلميّة والبحثية الّتي تربط الجانبين، وتبادلًا للخبرات والأبحاث في جانب وسائل الرّي الّتي من بينها الأفلاج. وأوضح الغافري أنّه خلال زيارته اطّلع على كثيرٍ من المعطيات الّتي تشير إلى أنّ الأمريكيين يستخدمون نظامًا شبيها بنظام الرّي في بلادنا "السّاقية"، حتّى أنّهم سمّوا هذه الجمعيّة الزراعية باسم (AcequiaAssociation)، فهذا الاسم -كما قال أحد الباحثين هناك- مشتّق من الاسم العربيّ لمجرى الفلج. ويؤكّد الباحث أيضًا أنّ نظام السّاقية الموجود الآن في الولايات المتّحدة الأمريكيّة يعود أصله إلى نظام الفلج في عمان وجنوب الجزيرة العربية.

زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس

          ويضيف الغافري إنّ من بين ما قاله ذلك الباحث المتخصّص في نظام الرّيّ: أنّ كلمة "السّاقية " Acequia" مأخوذةٌ من اللّغة الإسبانيّة، الّتي أخذت من اللغة العربيّة. حيث في أثناء هجرة القبائل العربيّة من جنوب شبه الجزيرة العربيّة (عُمان واليمن)؛ نقلت تلك القبائل معها هذا النّظام إلى الممالك والإمارات العربيّة الّتي أنشئت خلال القرنين التّاسع إلى الخامس عشر الميلاديين في شبه جزيرة "أَيْبِيرِيَا"، وهي الآن تتكوّن من إسبانيا والبرتغال وأندورا ومنطقة جبل طارق، وتشكّل إسبانيا الجزء الأكبر منها. حيث نقل العُمانيون والعرب –كما يقول الباحث- تقنيات الرّي والزّراعة إلى إسبانيا. وبعد انهيار الممالك العربية في إسبانيا بسقوط غرناطة، وهجرة الإسبان بعد ذلك إلى الأمريكتين نقل الإسبان هذه التقنيات إلى الإمريكيين، وكان من ضمن ما نقلوه "نظام السّاقيّة"، الّذي يشبه الأفلاج الغيليّة والعينيّة في عُمان، ونظام الـ"مَيْريِتْ" أو "البوكيو"، الّذي يشبه نظام الأفلاج العِدّية "الدّاؤواديّة" في عُمان.

زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس

          ويقول: إننا نلاحظ أنّ كلمة "مَيْريِتْ" كلمة إسبانيّة ربما مشتقّةٌ من الأصل العربي "مَيْرا" باللّهجة البدويّة في عُمان؛ أي: "مجرى"، وهوالسّاقية أو الفلج، ويقال إنّ "مدريد" مشتقّة من هذه الكلمة لكثرة الأفلاج والقنوات القديمة فيها. ويكمل الغافري قائلًا: لاحظتُ في أثناء زيارتي إلى نظام "السّاقية" هناك أنّ الأمريكيّين يزرعون محاصيل شبيهةٌ إلى حدّ كبيرٍ بالمحاصيل الّتي في بلادنا عُمان، وربّما يعود ذلك إلى شيئين: تشابه البيئة؛ حيث أن  ولاية نيومكسيكو ولاية شحيحة الأمطار، وإلى التّاريخ الّذي ذكرناه من انتقال الإسبان إلى الأمريكيتين ونقلهم لهذه الأنظمة الزّراعية ومحاصيلها، الّتي أخذوها من العرب القدامى الذين استوطنوا أرضيهم في قرونٍ سابقة. ومن تلك المحاصيل البرسيم؛ المسمى بـ"القت" عند العُمانيين، والعنب، والذرة الرفيعة "الحريّة". ومن ممّا شدّ انتباهي أيضًا خلال زيارتي أنّ الأمريكيّين هناك في الجمعية عندهم رجلٌ يقوم على الفلج، وهو "وكيل الفلج" مثل الّذي عندنا بالضّبط، وله نفس وظائف وكيل الفلج العُماني؛ وأهمّها الإشراف على توزيع المياه، وأدوار الرّيّ، وفضّ الخلافات بين المنتفعين من الفلج، وتوزّع المياه في نظام السّاقية بالزّمن عن طريق تقسيم دورة الرّي إلى أيّام وفتراتٍ زمنيّة توزّع بين المتشاركين في حصص المياه.  

 زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس

زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس

 زيارةٌ علميّةٌ لوحدة بحوث الأفلاج إلى جمعيّة \"السّاقية- Acequia\" الأمريكيّة تكشف سرّ الأفلاج ودور العُمانيّين في نقلها إلى أرض الأندلس