انطلقت صباح اليوم (الإثنين 28/ 10/ 2013م) في قاعة الشّهباء بالجامعة فعاليّات ندوة "قراءات في فكر الشّيخ درويش بن جمعة المحروقي"، الّتي ينظّمها المنتدى الأدبي التّابع لوزارة التّراث والثقافة، بالتّعاون مع الجامعة، ممثّلةً في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدّراسات العربيّة بجامعة نزوى. وقد رعى حفل الافتتاح سماحة الشّيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي –المفتي العام للسّلطنة-، بحضور الأستاذ الدّكتور أحمد بن خلفان الرّواحي - رئيس الجامعة-، وعددٍ من أصحاب السّعادة والمشايخ والعلماء والأعيان بمحافظة الدّاخليّة.
واستُهلّت النّدوة الاحتفائيّة بآياتٍ من الذّكر الحكيم تلاها الطّالب جمال الحبسي، بعد ذلك ألقى الدّكتور محمّد بن ناصر المحروقي –مدير مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدّراسات العربيّة بالجامعة- كلمة الجامعة رحّب فيها براعي الافتتاح والضيوف والمشاركين، وقال فيها: لقد أخرجت الإمبراطوريّة العُمانيّة خلال تاريخها المتعاقب جملةً من الأعلام في مجالات السّياسة والعلوم الدّينيّة واللّغويّة والمعارف المختلفة. وتمدّدت حدود هذه الإمبراطوريّة في آسيا وأفريقيا وداخل الجزيرة العربيّة، وعندما استقرّت مجموعةٌ من قبائل الأزد ببعض المدن بالعراق تملّكوها سياسةً وفكرًا. فعلى المستوى السّياسيّ برزت شخصيّة القائد الدّاهية المهلب بن أبي صفرة، الّذي وطّد ملك الأمويّين في البصرة حتّى عرفت ببصرة المهلب. وعلى المستوى الفكري برز عبقريّ الثقافة العربيّة دون منازع الخليل بن أحمد الفراهيدي، المتميّز بالذّكاء الحادّ والقدرة العجيبة على اكتشاف النّظام الخفيّ المتحكّم في جملةٍ من الفنون العربيّة النّحويّة والصّرفيّة والإيقاعيّة والكتابيّة.
وأضاف المحروقي: قدّمت الدّول العُمانيّة المتعاقبة أعلامًا كثيرين أغلبهم في مجال العلوم الفقهيّة، وفي مجال القيادات السّياسيّة من الأئمة والسّلاطين. والحقّ يقال إنّ البيئة العُمانيّة تكاد أن تكون بيئةً إيمانيّةً محضة، لم تشجّع على ظهور الإنتاج العقلي البحت ولا الإنتاج الأدبي المجنّح في الخيال، بل ظلّت شخصيّة الفقيه هي المسيطرة الغالبة. وهذه خصوصيّةٌ عُمانيّةٌ بامتيازٍ قد تقتسمها عُمان مع مواطن أخرى للإباضية في مغرب العالم الإسلامي وتحديدًا وادي ميزاب وجبل نفوسة. وأوضح الدّكتور محمّد أنّ العناية بأعلام عُمان دين علينا، وواجبٌ لا محيص عنه. وهو يلتقي مع واجبٍ آخر يتمثّل في العناية بهذه الآثار التي تركها أولئك الأعلام على مستوى التّرميم والتحقيق العلمي والطباعة والنّشر.
وعن موضوع النّدوة يقول المحروقي: إنّ ذلك التّكامل المشار إليه نجده حاضرًا في هذه النّدوة الّتي نشهد افتتاحها اليوم، وهي ندوة "قراءات في فكر الشّيخ درويش بن جمعة المحروقي"؛ إذ جاءت نتيجةً لتظافر الجهود بين المنتدى الأدبي وجامعة نزوى. وقد وقع الاختيار أن تكون هذه الندوة العلميّة متّصلةً بالمجالات المتخلفة الّتي دارت حولها تجربة الشّيخ المحروقي في الحياة والإنتاج العلمي، وجاءت المحاور لتغطي سيرته وأعماله، ومنهجه ومجالاته التّربويّة والفقهيّة واللّغويّة والأدبيّة.
ونيابةً عن المنتدى الأدبيّ ألقى الشّيخ سعيد بن علي البقلاني –مستشار في المنتدى- كلمةً أشار فيها إلى أنّ هذه النّدوة تأتي في إطار اشتغالات المنتدى الأدبي باحتفائه الدّائم بالشّخصيّات العلميّة العُمانيّة. عن محاور النّدوة فقال البقلاني: ستدور النّدوة حول ثلاثة محاور؛ يتحدّث الأوّل عن عصر الشّيخ المحروقي وحياته وأعماله؛ حيث سيتمّ خلاله عرض النّتاج العلمي في عصر اليعاربة ودور الشّيخ فيه، كما يعرِض حياة الشّيخ ونشأته وأعماله، إلى جانب دور الشّيخ في الحياة السّياسيّة في عهد الأئمّة اليعاربة.وسيكون عنوان المحور الثّاني للنّدوة "الشّيخ درويش بن جمعة المحروقي من خلال كتبه ورسائله"؛ وذلك من خلال ثلاثة أقسام هي: الفقه الإباضي في عهد اليعاربة من خلال كتاب "جامع التبيان الجامع للأحكام والأديان"، والسّلوك والتّصوُّف في كتاب "الدّلائل عل اللّوازم والوسائل"، والوعظ والنّصيحة في فكر كتاب "الفِكْر والاعتبار". أمّا المحور الثّالث فيشمل المنهج العلمي والتّربوي عند الشّيخ درويش بن جمعه المحروقي، وسيتطرق إلى المنهج العلمي في التّأليف عند الشيخ المحروقي من خلال كتبه ورسائله، المنهج التربوي عند الشيخ في كتابه "الدلائل على اللوازم والوسائل"، إضافةً إلى الألفاظ العُمانية الحضاريّة في مؤلفات الشّيخ المحروقي، والفكر الاجتماعي في مؤلفات الشّيخ المحروقي.
وأوضح الشيخ سعيد البقلاني أنّ المنتدى الأدبي في السّلطنة دأب على الاحتفاء بالشّخصيّات العلميّة العُمانيّة منذ عام 1989م؛ حيث كان النهج في البداية يقتصر على عقد جلسات احتفائية، وكانت البداية بـ"شاعر البيان" الشيخ محمد بن شيخان السالمي، ثم توسّع المنتدى في ذلك لعقد ندوات علمية متخصصة ليصل مجموع الشخصيات التي تم الاحتفاء بها حتى عام 2013م الحالي خمسة وأربعين شخصية علمية. وكان المنتدى قد أقام في جامعة نزوى أيضًا ندوة أدبيّةً عن الشّاعر العُماني أبي الأحول سالم بن محمّد الدّرمكي، وذلك في شهر مايو من عام2009م. ولأجل نشر نتاج تلك الجلسات الاحتفائية تمّ نشر الأوراق والبحوث المقدمة فيها ضمن الكتاب السنوي «فعاليات ومناشط» الذي كان المنتدى الأدبي يصدره في بدايات مشواره (1998-1994م). وفي مرحلةٍ لاحقةٍ تمّ تخصيص كتابٍ لكلّ ندوةٍ من ندوات العلماء، فوصل عدد كتب سلسلة قراءات في فكر العلماء حتّى الآن سبعة عشر إصدارًا.
تلا ذلك قصيدةٌ شعريّة ألقاها الأستاذ سالم بن سعيد البوسعيدي محتفيًا بذكرى الشيخ المحروقي وآثاره، جاء فيها:
هناك كالطيف يبدو في تجليهِ
يسافر الكونُ فيه ثم يخليـه
تلك النجومُ شهودٌ عند حضرته
في هدأة الليل يرويها وترويه
في بيته المنهكِ الطيني ترقبُه
ولا قناديـل إلا الآي تهديـه
يعانق الأفق في محراب سجدته
والكون يدنو ضحوكا من تدانيه
تراه يشرب خمر الفكر منتعشا
وكأسه الذكر والآفاق ناديـه
فيسكر القلبُ من أنفاسه ألقًـا
يستسلمُ الجسم للنفحات تحويه
إلى أن قال:
هذا "الدلائل" كنزٌ صاغ جوهره
من طينة المجد ما أحلى مراميه
هنا خطاه هنا كانت مآثره
هنا تنفّس عطر العلم ساريه
يا آل درويش يا رهبان منتجعٍ
بالفكر وبالعزم وبالإيمان نبنيه
يا آل درويش يا رهبان منتجعٍ
قوموا لماضيكم السامي نحييه
وكابدوا صهوات المجد وائتلقوا
لنستعيد من الماضي معانيـه
وجددوا العزم دينا وانسفوا صنما
يدعى القبلية جربنا مآسيــه
رشوا على القلب نورا الله منسكبا
من وحي جبريل يا طوبى محبيه
يا مجمعا زهرة التاريخ ترقبه
تودّ لو قبّلت كفا تحييــه
يا مجمعا و رنا نجم لصاحبه
يقول: مجمعكم مجد مؤانيه
يا بورك الجمع في الوجدان تهنئة
وبورك القصد في أحلى مراميه
تبع ذلك فقرةٌ من الفنّ الشّعبي، حيث قدّمت فرقةٌ من فرق الفنون الشَّعبيّة بمحافظة الدّاخليّة فنّ العازي. وافتتح سماحة الشّيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي –المفتي العام للسّلطنة- أعمال النّدوة بكلمةٍ تحدّث فيها عن الشّيخ الزّاهد درويش بن جمعة المحروقي –رحمه الله-. وقال:إنها لفرصة من أسعد الفرص أن نجتمع هنا في جامعة نزوى وبجهود المنتدى الأدبي وهذه الجامعة الفتية من أجل تجديد ذكرى عَلَم من أعلام هذه البلاد؛ لتتواصل المسيرة بحول الله تعالى، بحيث يضمّ الطّارف إلى التّليد، ويربط الحاضر بالماضي، وتتواصل الحلقات في سلسةٍ واحدةٍ حتّى يكون كلّ جيلٍ من الأجيال آخذًا بحجزة الجيل الذي قبله، من أجل تحمُّل أمانة الله –سبحانه وتعالى- والاضطلاع بمسؤوليّة الخلافة في الأرض والقيام بالواجب الملقى على عاتق المؤمنين والمؤمنات، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، بجانب إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله، فما أبهج هذا اللّقاء! وما أفضل هذا الجهد الّذي تُحيى به ذكرى العالم الجليل الشيخ درويش بن جمعة المحروقي –رحمه الله تعالى- الّذي كان بجانب فقهه في دين الله -سبحانه-زاهدًا واعظًا مرشدًا خابرًا بهذه الدّنيا، عارفًا بما تنطوي عليه؛ فلذلك كان شديد التّحذير منها.
وقد أخذ سماحته الحضور إلى رحلةٍ في عالم الشّيخ المحروقي –رحمه الله- من خلال كتبه ومؤلفاته وآرائه وفتواه، وخاصّةً كتاب "الدّلائل على اللّوازم والوسائل". وبيّن أنّ الشّيخ انتهج في كتابته الفقهيّة منهجًا مختلفًا عن سابقيه من المشايخ الّذين كانوا يُعنون بالكتابات الفقهيّة والمسائل، أمّا الشّيخ درويش فقد كان يربط الفقه بعلم الحقيقة أو ما يسمّى بعلم التّصوّف، فلا يخلو كتابٌ من كتبه من ربط الدّنيا بالآخرة. ودعا سماحته إلى إحياء آثار هذه الشيخ وغيره من المشايخ والعلماء العُمانيّين.