السابق | رجوع | الرئيسة | التالي |
نظّمت اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان صباح اليوم (الثلاثاء 24/9/2013م) وبالتّعاون مع جامعة نزوى جلسةً حواريّةً بعنوان "قيم المجتمع وحقوق الإنسان"، وذلك تحت رعاية سعادة الشّيخ الدُّكتور خليفة بن حمد السّعدي -محافظ الدّاخليّة-، وبحضور المكرّم محمّد بن عبدالله الرّيامي -رئيس اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان-، والأستاذ الدُّكتور أحمد بن خلفان الرّواحي -رئيس جامعة نزوى-، وعدد من أصحاب السّعادة وأعضاء المجلس البلدي، ومديري العموم وممثلي الدّوائر الحكوميّة بمحافظة الدّاخلية. هدفت الجلسة إلى التّعريف بمهامّ عمل اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان واختصاصاتها، وتعزيز نشر ثقافة الحقوق والواجبات في المجتمع، إلى جانب بناء حوارٍ هادفٍ مع مؤسّسات المجتمع المدني؛ إذ استهدفت الجلسة جمعيّات المرأة العُمانيّة، وطلاب الجامعة، وأساتذتها الأكاديميّين، وجمعيّة الصّحفيّين، والأندية الرّياضيّة، ومجموعةً من مؤسّسات المجتمع المدني.
وبدأت الجلسة بآيٍ من الذّكر الحكيم تبعتها كلمة اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان ألقاها المكرّم محمّد بن عبدالله الرّيامي -رئيس اللجنة -؛ رحب فيها بالحضور، وأشار إلى أنّ هذه الجلسة إنّما هي ثمار مباركة بين اللّجنة الوطنيّة وجامعة نزوى تهدف إلى تعزيز الوعي والفهم لحقوق الإنسان لدى المجتمع، وتعزيز روح المواطنة لدى المواطن لبناء عُمان الحاضر والمستقبل. كما أوضح أنّ قيم المجتمع العُماني الّتي توارثناها مستمدّة من قيم الدِّين الإسلامي الّتي جاءت قبل إعلان العالم لحقوق الإنسان، والمتتّبع لآي القرآن والسّنة النّبويّة يجد ما يدل على اهتمام الإسلام بحقوق الإنسان كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"، والرّائي في حال المجتمع العُماني يرى الاحترام المتبادل بين الأفراد والاعتدال في التّعامل والقيم الرّفيعة الّتي يتميّز بها دون غيره، فحضيت هذه القيم بالاهتمام والتّعزيز والدّعم المستمرّ، فالمجتمع العُماني تربةٌ طيبةٌ لا تنبت إلا طيبًا فكان حقيقًا أن يوجد من يعمل على ترسيخ هذه القيم وتثبيتها لدى الأفراد فجاءت اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان لتقوم بهذا الدّور الرّائد.
بعد ذلك قدّم المكرّم محمّد الريامي هديّة تذكاريّةً لكلٍّ من راعي المناسبة ورئيس جامعة نزوى، كما قدّم رئيس جامعة نزوى هديَّةً تذكاريّةً لرئيس اللّجنة الوطنية لحقوق الإنسان. بعدها ابتدأت أولى أوراق عمل الجلسة الحواريّة، حيث قدّمها الدّكتور راشد بن حمد البلوشي -الأمين العام للجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان-، وكانت حول اختصاصات اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان، حيث بدأ حديثه فيها بالتّعريف بحقوق الإنسان وخصائصها، والتي هي تلك الحقوق التي يشملها القانون الدّولي العُرفي (ما تعارفت عليه الأمم المتحضّرة)، وصكوك حقوق الإنسان والقانون الوطني، الّذي يعترف بهذه الحقوق ويحكمها. وأشار البلوشي إلى أنّ هذه الحقوق هي حقُّ طبيعيٌّ عالميّ شاملٌ وغير قابل للتّصرّف، كما أنّها تكامليّةٌ مكمّلة لبعضها البعض.
ثمّ تحدّث البلوشي عن منظومة حماية حقوق الإنسان؛ بأنّها تأتي على عدّة مستويات هي المستوى الدّولي والمستوى الإقليمي والمستوى الوطني، وبعد ذلك تحدّث عن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في السّلطنة، والتي أنشئت بموجب المرسوم السّلطاني 124 لسنة 2008م، وتضم 14 عضوًا، منهم 8 أعضاء يمثّلون غرفتي البرلمان وجمعيّات المجتمع المدني، و6 أعضاء يمثلون الحكومة، وهي تعمل من أجل تعزيز كافة صنوف الحقوق والحريات وحمايتها في السّلطنة، وذلك من خلال متابعة حماية حقوق الإنسان وحريّاته في السّلطنة؛ وفقًا للنّظام الأساسي للدّولة والمواثيق والاتفاقيّات الدّوليّة، ورصد ما قد تثيره الحكومات الأجنبية والمنظّمات الدوليّة والمنظّمات غير الحكوميّة من ملاحظات في مجال حقوق الإنسان في السلطنة، والتنسيق مع الجهات المعنية للتحقق منها والرّد عليها، إلى جانب تقديم المشورة للجهات المعنيّة في الدّولة في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته، والمساهمة في إعداد التقارير الّتي تتناول هذه المواضيع، ورصد أيّة مخالفاتٍ أو تجاوزاتٍ متعلقةٍ بحقوق الإنسان في الدّولة، والمساعدة في تسويتها وحلّها وغيرها من الاختصاصات.
فيما جاءت الورقة الثانية بعنوان "دور جمعيّات المجتمع المدني في نشر ثقافة حقوق الإنسان" للفاضلة ماجدة بنت شيخان المعمريّة -رئيسة جمعيّة المرأة العُمانيّة بالسّيب، وعضو في اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان-، تطرّقت فيها إلى دور المجتمع المدني في تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان، المتمثّل في التّنسيق المستمرّ بين منظّمات المجتمع المدني في قضايا حقوق الإنسان، مشيرة إلى وجود جمعيّاتٍ متخصّصة، مثل: جمعيّات المرأة، وجمعيّة البيئة، وجمعيات ذوي الاحتياجات الخاصّة وغيرها. وأوضحت أنّ على هذه الجمعيات تدعيم دور الأسرة في نشر فهم مبادئ حقوق الإنسان وتعميقها وجعلها سلوكًا يوميًّا للفرد. كما يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في فهم الوالدين لتلك الحقوق عمومًا وحقوق الطفل خصوصًا. وقالت المعمريّة: إنّ لمنظمات المجتمع المدني دورًا كبيرًا في نشر ثقافة حقوق الإنسان في المناطق الريفيّة وبين الفئات الخاصة كذوي الاحتياجات الخاصة، ثمّ تطرّقت إلى دور جمعيات المرأة العُمانيّة في توعية المرأة بحقوقها ودورها في غرس المبادئ والقيم في نفوس الأطفال وتعريفهم بحقوقهم. واختتمت الجلسة الحوارية للورقتين الأولى والثّانية بطرح العديد من الأسئلة والاستفسارات حول اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان ودورها في المجتمع العُماني.
وكانت الورقة الثالثة من الجلسة من تقديم جامعة نزوى ألقاها الدّكتور حسين بن سعيد الحارثي- أستاذ بقسم الدّراسات الإنسانيّة بكلية العلوم والآداب- حول "تجربة جامعة نزوى في تعزيز مفهوم المواطنة بين جيل الشباب"، تطرّق فيها إلى مفهوم المواطنة والفرق بين المواطنة والوطنيّة، وقال إنّ هناك مستويات للشعور بالمواطنة، ومنها شعور الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين بقية أفراد الجماعة كالدم والجوار والموطن وطريقة الحياة، وشعوره باستمرار هذه الجماعة على مر العصور، وأنّه مع جيله نتيجةً للماضي، وأنّه وجيله بذرة المستقبل.
وعن دور جامعة نزوى في تعزيز مفهوم المواطنة قال الحارثي: إنّ تعزيز مفهوم المواطنة بين جيل الشّباب أحد المبادئ الّتي تسعى جامعة نزوى للتّركيز عليها؛ انطلاقًا من ثلاثة ثوابت، هي: الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والانتماء، والولاء لكلّ من الوطن وجلالة السلطان. ولقد وضعت جامعة نزوى منذ أن أنشئت بموجب القرار الوزاري رقم (1/2004) في 3 يناير 2004م؛ نصب عينيها رسالةً ساميةً هدفها نشر الفكر الإيجابي، وترسيخ هُويّة الأمّة وقيمها وإرثها الحضاري. وأضاف: جاءت رؤية الجامعة معزّزةً لمفهوم المواطنة؛ وذلك من خلال سعيها الدّؤوب لِأن تكون منارة علم ورشادٍ لطلاب العلم؛ بهدف بناء أجيال من المواطنين المؤهلين والواعين بتراث الأمة الإسلامية وثقافتها، والمحافظين على الهوية العمانية الأصيلة والقيم، والمسلحين بالمعرفة والقدرات التقنية التي يتطلبها المجتمع العماني. وأوضح أنّ شعار جامعة نزوى جاء ترجمةً بيانيةً وتجسيدًا مصورًا للرسالة التي تكفلت الجامعة بحملها؛ فهو يحتوي على عددٍ من الدّلالات التصويرية لمفهوم المواطنة، منها: الكتاب، والأشعة الخارجة من الكتاب، سعف النخيل الخضراء، حزام الخنجر العماني، اتصال السعف بحزام الخنجر، جامعة نزوى، والقلعة. وإجابةً عن تساؤل: إلى أي مدى نجحت جامعة نزوى في ترجمة رؤيتها ورسالتها من أجل تعزيز مفهوم المواطنة في المجتمع العماني؟؛ تحدّث الدّكتور حسين الحارثي عن دور إدارة الجامعة في تنمية مفهوم المواطنة، ودور الأنشطة الطلابية في تنمية المواطنة، ودور المناهج الجامعية في تنمية مفهوم المواطنة، إلى جانب دور الأستاذ الجامعي في ذلك، حيث لا تقتصر مهمة الأستاذ في جامعة نزوى على نقل المعرفة وتوصيلها، بل يتعدّى إلى إعداد الطّلاب للحياة المستقبليّة عن طريق غرس القيم والمبادئ والمثل والأخلاقيات الحميدة في نفوسهم بما يجعلهم مواطنين صالحين.
وكانت الورقة الأخيرة للجلسة الحواريّة للدكتور ناصر بن سيف الشّامسي –عضو اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان- عرّج فيها على "مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان"، وقال فيها: يرتبط مفهوم المواطنة الحديث بأساسٍ فلسفيّ قديم؛ ذلك لأنّها ارتبطت بمفهوم (الدّولة) التي تكونت في اليونان بعدة قرون قبل الميلاد. وأشار إلى أن الاتجاه الإسلامي منذ عهد النبوة فكان سابقًا في إعلان مبدأ المواطنة قبل ظهور مفهوم الدولة الإقليمية المعاصرة منذ معاهدة وستفاليا سنة 1856م. بعد ذلك تحدّث الشّامسي عن التأصيل الشرعي لمفهوم المواطنة من خلال وحدة الأصل الإنساني أو النزعة الفطرية الإنسانيّة، ووحدة المصالح المشتركة والآمال والآلام.
وختمت الجلسة الحواريّة ببيانٍ ختاميّ ألقاه المحامي أحمد بن سيف البرواني –عضو اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان- قال فيها: لا شكّ في إن الحوار بين فئات المجتمع له دورٌ كبيرٌ في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بينها؛ لبناء جيلٍ واعدٍ واعٍ بحقوقه الأساسيّة بالشكل السّليم موازنًا بينها وواجباته. مع مراعاة تكييف القيم والمبادئ في ظل التغييرات العالمية المعاصرة بما لا يفقدنا خصوصيّتنا العُمانيّة. وأضاف: إنّ جيل المستقبل ممثّلًا بفئة الشّباب عليه أن يأخذ على عاتقه مسؤوليّةً كبيرةً لحماية مكتسبات الوطن ومقدّراته من خلال تطبيق مفهوم المواطنة الحقّة في واقع حياته اليوميّة.
وأوضح البرواني أنه تمخّض عن الجلسة الحواريّة جملةٌ من المرئيّات منها: أن التّمسّك بالقيم والأخلاقيّات له دورٌ كبيرٌ في احترام حقوق الآخرين، وأن شراكة مؤسّسات المجتمع المدني مع اللّجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان لها دورٌ كبيرٌ في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وضرورة توسيع النّطاق الجغرافي للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مجال التوعية والتثقيف بحقوق الإنسان وواجباته، والتّأكيد على أهمية قيام الجهات المعنية مضاعفة الجهود للتّصدي للظواهر الاجتماعية السلبية التي تؤثر على قيم المجتمع العماني، مثل المخدرات والانتحار.
كما أكّد البيان الختامي على أهمية تكثيف الحملات التوعوية المتعلقة بحقوق الإنسان لتصل إلى كافة شرائح المجتمع، وحرص اللّجنة الوطنية لحقوق الإنسان على إبراز مفهوم القيم العُمانية الأصيلة لدى فئة الشباب من خلال البرامج التوعويّة في وسائل الإعلام وخصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات التربوية والجمعيات الأهليّة، وتشجيع الدّراسات والبحوث التي تتناول قيم المجتمع العماني ومبادئه وإنمائها لدى الأفراد، والعمل على تعميم تجربة جامعة نزوى في مجال غرس مفهوم القيم الاجتماعية والمواطنة لدى مختلف الجامعات والكليات الحكومية والخاصة.