السابق | رجوع | الرئيسة | التالي |
كتب- عبدالله بن محمَّد البهلاني، تصوير- إبراهيم بن سيف العزري:
استضافت الجامعة أمس (الثَّلاثاء 18/ 12/ 2012م) ندوةً حول الصَّيرفة الإسلاميَّة نظَّمها البنك الأهلي عبر نافذته "الهلال للصَّيرفة الإسلاميَّة" بالتَّعاون مع الجامعة، ودار محور النَّدوة، الَّتي رعاها الأستاذ الدُّكتور أحمد بن خلفان الرَّواحي –رئيس الجامعة-، حول "الصِّدق والشَّفافيَّة في المعاملات المصرفيَّة". حيث حاضر في النَّدوة الشَّيخ أفلح بن أحمد الخليلي –عضو هيئة الرَّقابة الشَّرعيَّة في الهلال للصَّيرفة الإسلاميَّة، ورئيس قسم البحوث والدِّراسات بوزارة الأوقاف والشُّؤون الدِّينيَّة-، وفضيلة الشَّيخ إبراهيم بن ناصر الصَّوافي –أمين الفتوى بمكتب سماحة المفتي العام للسَّلطنة.
استُهلت النَّدوة بمقدِّمةٍ عن الاقتصاد الإسلامي للشَّيخ أفلح بن أحمد الخليلي؛ أكَّد فيها أنَّ الأحكام العمليَّة في الإسلام تنبني على فكرٍ تصوُّريٍّ، حيث تبدأ هذه الأحكام وفقًا لهذا التَّصوُّر. وأوضح أنَّ الاقتصاد هو جزءٌ لا يتجزَّأ من دين الإسلام، وأنَّ الإسلام جاء لينظِّم معاملات النَّاس في السُّوق؛ ولذلك أكَّد العلماء المتقدِّمون أنَّ السُّوق لا يدخلها إلَّا عالمٌ بها والأحكام الشَّرعيَّة الَّتي لابدّ من التَّقيُّد بها، والبُعد عن المعاملات الرَّبويَّة. وأشار الخليلي إلى أنَّ الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة الأخيرة قادت المجتمعات الدَّوليَّة إلى الالتفات إلى حلِّ الصَّيرفة الإسلاميَّة لهذه الأزمة؛ وذلك لما للاقتصاد الإسلاميّ من قواعد وأحكامٍ تنظِّم المعاملات بكافَّة أشكالها. وقال الخليلي مستشهدًا بقول أحد علماء الاقتصاد في العالم: إنَّ الاقتصاد الإسلاميَّ يقوم على الحقيقة لا الوهم، بخلاف الاقتصادات الأخرى الَّتي بُنيت على الوهم. كما أشار الشَّيخ أفلح الخليلي إلى أنَّ السَّلطنة فتحت هذه الأيَّام أبواب الصَّيرفة الإسلاميَّة –ولله الحمد-؛ وذلك بمقتضى المرسوم السُّلطاني الَّذي جاء بتعديلات على بعض أحكام القانون المصرفي ما يسمح بتقديم المعاملات المصرفيَّة الإسلاميَّة في السَّلطنة.
بعد ذلك انتقلت دفَّة الحديث إلى فضيلة الشَّيخ إبراهيم الصَّوافي، حيث تحدَّث عن أهميَّة الصَّيرفة الإسلاميَّة، قائلًا: إنَّ الصَّيرفة الإسلاميَّة تُعطي صورةً مشرقةً عن اهتمام الإسلام بالاقتصاد، كما أنَّها تقدِّم حلولًا متوافقةً مع الشَّريعة الإسلاميَّة، وتسهم في تحريك عجلة الاقتصاد في بلاد المسلمين، وهي تساعد المتعامل بها على تحقيق أهدافه وغاياته. وتطرَّق الصَّوافي إلى نظرة الإسلام إلى المال؛ مبيِّنًا أنَّ المال هو مال الله، والإنسان مستخلفٌ فيه بمقتضى قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)، وأنَّه يجب اكتساب المال من الحلال وإنفاقه في الوجوه الجائزة، كما أنَّ الإسلام يحرِّم أكل أموال النَّاس بالباطل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةًعَن تَرَاضٍ مِّنكُم). بعد ذلك عقد فضيلة الشَّيخ إبراهيم الصَّوافي مقارنةً بين نظرة الإسلام والرَّأسماليَّة والاشتراكية إلى المال. مشيرًا فضيلته إلى أنَّ الرأسماليَّة نظرت إلى المال من منظور مصلحة الفرد، حيث تزيد الأفراد غنًى ولا علاقة لها بمصلحة المجتمع، وهذا أدَّى إلى الجشع والطَّمع، وكانت عاقبته الأزمة الماليَّة العالميَّة الأخيرة. فيما تنظر الاشتراكيَّة إلى المال من منظور المجتمع فقط؛ متجاهلةً أنَّ الإنسان مفطورٌ على حبِّ التَّملك والمال، وصادرات كلَّ ما للفرد من ملكيَّة. في حين نرى أنَّ الإسلام وازن بين متطلَّبات الفرد والمجتمع معًا في المال فللفرد حقوق وواجبات، بينما للمجتمع كذلك حقوق وواجبات.
وتحدَّث فضيلة الشَّيخ الصَّوافي عن القواعد العامَّة للاقتصاد في الإسلام، والَّتي منها أنَّ دائرة الحلال في الإسلام واسعةٌ بينما دائرة الحرام ضيِّقة، كما أنَّ قضايا المعاملات الأصل فيها الحِلّ ولا يحرَّم منها إلا ما دلَّ دليلٌ على تحريمه بخلاف العبادات، ويجب أن تخلو المعاملة الماليَّة في الإسلام من الرِّبا والغرر الفاحش والاستغلال،وغيرها من المعاملات المحرَّمة. ثمَّ انتقل الصَّوافي بعد ذلك إلى المقارنة بين الصَّيرفة الإسلاميَّة وغير الإسلاميَّة في المعاملات، موضحًا أنَّ الصَّيرفة التَّقليدية غير الإسلاميَّة تركِّز على الاستقراض بخلاف الإسلاميَّة الَّتي تركِّز على الاستثمار، وأنَّ التَّقليديَّة قائمةٌ على التَّأكيد على القدرة على السَّداد فقط، بينما الإسلاميَّة فقائمةٌ على صحة المشروع وسلامته شرعًا، كما أنَّ المصارف التَّقليديَّة تعتمد على المعايير الماليَّة فقط، أمَّا المصارف الإسلاميَّة فتعتمد على المعايير الأخلاقيَّة والشَّرعيَّة إلى جانب المعايير الماليَّة.
وفي بيانٍ لمنتجات الصَّيرفة الإسلاميَّة قال الشيخ أفلح الخليلي إنَّها تشمل منتجات التَّمويل بما في ذلك تمويل الشراء، وتمويل الإجارة، وتشمل منتجات الاستثمار بما في ذلك استثمار المضاربة واستثمار الوكالة، أمَّا منتجات الخدمات في الصَّيرفة الإسلاميَّة فتشمل البطاقات والإيداع وتحويل الأموال وتسديد الفواتير. وأوضح الخليلي أنَّه يوجد في الصَّيرفة الإسلاميَّة نوعان من الحسابات هما الحساب الجاري، وحساب التَّوفير. فأمَّا الحساب الجاري فهو عبارةٌ عن قرضٍ من العميل للمصرف، ولا يستحقُّ العميل عليه ربحًا، ويضمن المصرف المال في هذا الحساب، كما يستثمر المصرِف المال لنفسه. في حين ينبني حساب التَّوفير على المضاربة والوكالة بالاستثمار. وراح بعدها الشَّيخ أفلح يشرح نوعي حساب التَّوفير المضاربة والوكالة بالاستثمار.
بعد ذلك تحدَّث فضيلة الشَّيخ إبراهيم الصَّوافي عن مفهوم المشاركة المتناقصة أو المنتهية بالتَّمليك، وقال إنَّها نوعٌ من المشاركة يكون من حقِّ الشَّريك فيها أن يحلَّ محلَّ المصرف في ملكيَّة المشروع إمَّا دفعةً واحدةً أو على دفعاتٍ، وذلك حسب الشُّروط المتَّفق عليها وطبيعة العمليَّة. ثم تطَّرق إلى خطوات هذه المشاركة المتناقصة. وختم فضيلة الشَّيخ حديثه بشرح منتجات الإجارة والسَّلم والاستصناع والمرابحة في الصَّيرفة الإسلاميَّة، ومجالات تطبيقها والقطاعات الَّتي تدخل فيها.
وختمت النَّدوة بجلسة فتوى عن الصَّيرفة الإسلاميَّة، حيث شارك جمعٌ من الحضور في إلقاء الأسئلة والاستفسارات على الشَّيخين اللذين أجابا عن كلِّ ما يتعلِّق بالموضوع.