السابقرجوعالرئيسةالتالي


أطروحة دكتوراه لمساعد رئيس الجامعة لشؤون الطُّلاب تبحث واقع التَّعليم العام وتطوُّره جغرافيًّا في السَّلطنة

العزري وهو متوسِّطٌ لجنة المناقشة خلال جلسة مناقشة أطروحته للدكتوراه 

عرض- عبدالله بن محمَّد البهلاني:

حصل الباحث صالح بن منصور بن محمَّد العزري مؤخَّرًا على درجة الدُّكتوراه في الجغرافيا البشريَّّة بتقدير مرتبة الشَّرف الأولى من جامعة المنصورة بجمهوريَّة مصر العربيَّة؛ وذلك عن أطروحةٍ بحثيَّةٍ متخصِّصةٍ في مجال الجغرافيا البشريَّة ناقشت موضوعًا يمسُّ جغرافيَّة التَّعليم العام في السَّلطنة منذ بداية عصر النَّهضة العُمانيَّة حتَّى عام 2008م، وعنون العزريُّ أطروحته هذه باسم "التَّعليم ما قبل الجامعيِّ في سطنة عُمان- دراسةٌ جغرافيَّة".

وقد تطلَّع الباحث من خلال أطروحته إلى تحقيق عدَّة أهدافٍ منها: الكشف عن التَّطوُّر الَّذي شهده قطاع التَّعليم ما قبل الجامعي بسلطنة عُمان منذ عام 1970م، ورصد أهمِّ العوامل الَّتي أثَّرت في هذا التَّطوُّر سواء من خلال زيادة حجم السُّكان وزيادة أعدادهم في سنِّ التَّعليم ما قبل الجامعي، وخطط الدَّولة لتنمية الكوادر البشريَّة، كما سعت الدِّراسة إلى التَّعرُّف على نمط توزيع المنشآت التَّعليميَّة في السَّلطنة والتَّباين فيما بينها على مستوى المحافظات والمناطق الإداريَّة، ورصد العلاقة بين توزيع المنشآت التَّعليميَّة وعدد السُّكان في سنِّ التَّعليم ما قبل الجامعي، ورصد الآثار الإيجابيَّة والسلبيَّة للجوانب الجغرافيَّة ذات الصِّلة بالتَّعليم ما قبل الجامعي في السَّلطنة، إلى جانب التَّعرُّف على مستقبل التَّعليم ما قبل الجامعيِّ وربطه باحتياجات سوق العمل وفق التَّخصُّصات المختلفة.

واتَّبع العزريُّ في أطروحته البحثيَّة المنهج الموضوعيَّ الَّذي يُعنى بوصف الظَّواهر والمتغيِّرات والأبعاد الجغرافيَّة والتَّوزيع الجغرافيِّ للمؤسَّسات التَّعليميَّة، والمنهج التَّاريخي الَّذي يستوعب الحقبة التَّاريخيَّة النَّهضويَّة للتَّعليم ما قبل الجامعي، خلال الفترة ما بين عامي 1970 و2008م، والَّتي تقارب الأربعين عامًا. كما استعان الباحث بعدَّة أساليب لتعزيز دراسته؛ حيث استعان بالأسلوب الكمي في التَّحليل، والأسلوب الكارتوجرافي المتمثِّل في رسم الخرائط والأشكال البيانيَّة الَّتي تخدم موضوع الدِّراسة، وأسلوب نظم المعلومات الجغرافيَّة، إلى جانب أسلوب الدِّراسة الميدانيَّة عبر تطبيق استبانةٍ لكشف آراء الطُّلاب والمعلمين حول العمليَّة التَّعليميَّة. وقد ركَّز الباحث دراسته على المنطقة الدَّاخليَّة كدراسة حالة؛ مرجِعًا ذلك إلى صعوبة إجراء مسحٍ ميدانيٍّ شاملٍ لكلِّ الأقسام الإداريَّة بالسَّلطنة؛ نظرًا لاتِّساع الرُّقعة الجغرافيَّة للسَّلطنة. حيث طاف الباحث ميدانيًّا على أربعين مدرسةً، مغطِّيًا عيِّنةً من الطُّلاب والمعلِّمين تقدَّر بـ(7000) طالبٍ وطالبة، و(1200) معلِّمٍ بمدارس المنطقة الدَّاخليَّة.

احتوت الأطروحة على ستة فصولٍ ومقدِّمة وخاتمة؛ تناول الفصل الأوَّل البعد الزَّمنيَّ للتَّعليم ما قبل الجامعيِّ من حيث تطوُّر أعداد المدارس والفصول وأعداد المقيَّدين فيها، وكذلك تطوُّر أعداد المعلمين والإداريِّين خلال الفترة ما بين عامي 1970 و2008م. فيما خصَّص الباحث الفصل الثَّاني لدراسة توزيع المدارس والفصول حسب الكيان القانوني بجميع الأقسام الإداريَّة بالسَّلطنة، والتَّوزيع السُّكاني للمدارس والفصول تبعًا للتَّقسيم الإداريِّ والمراحل التَّعليميَّة ونوعها وتقييم التَّوزيع السُّكاني. كما اهتمَّ الفصل الثَّالث برصد توزيع المقيَّدين بالتَّعليم ما قبل الجامعيِّ، من حيث توزيعُهم حسب الهيكل القانوني للمدارس، ثمَّ توزيعُهم حسب المراحل التَّعليميَّة، والتَّوزيع حسب النَّوع، إلى جانب التَّوزيع الكثافي للمقيَّدين بالمدارس؛ سعيًا لإبراز الاختلافات المكانيَّة بين الأقسام الإداريَّة. أمَّا الفصل الرَّابع فقد تعرض لوضع المعلِّمين والإداريِّين بالتَّعليم ما قبل الجامعي، من حيث تقييم التَّوزيع العدديِّ بالأقسام الإداريَّة والهيكل القانونيِّ للمدارس، ثمَّ تقييم توزيع المعلِّمين والإداريِّين بالنِّسبة لأعداد المدارس والفصول وأعداد المقيَّدين. وفي الفصل الخامس ناقش العزريُّ العوامل المؤثِّرة فى توزيع المدارس والمقيَّدين من حيث خصائص السُّكان وحجمهم وتوزيعهم، ثمَّ العمران ومدى تناسبها مع التَّوزيع العدديِّ للمدارس والمقيَّدين، وأيضًا تناول شبكة النَّقل وعلاقتها بتوزيع المدارس والمقيَّدين، إلى جانب تناوله للسِّياسة الحكوميَّة والتي تمثَّلت في الخطط الخمسيَّة المتعلِّقة بالتَّعليم ما قبل الجامعي. وبحث الفصل السادس مستقبل التَّعليم ما قبل الجامعي من حيث تقديرات احتياجات التَّعليم من المدارس والفصول والمقيَّدين والمعلِّمين خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2025م. وختم الباحث أطروحته بخاتمةٍ اشتلمت على أهمِّ النَّتائج الَّتي توصَّل إليها، وبعض التَّوصيات والمقترحات الَّتي نتجت عن تقييم الوضع الحالي للخدمات التَّعليميَّة بالسَّلطنة.

وخلُصت الأطروحة بعدَّة نتائج مهمَّة تمثَّل أهمُّها في أنَّ طبيعة التَّعليم ما قبل الجامعي في سلطنة عُمان قبل عام 1975م اتَّسمت بنمط التَّعليم الدِّينيِّ ومحدوديَّة عدد المدارس الَّتي لم تتجاوز 18 مدرسةً، بينما شهدت السَّلطنة منذ عام 1975م اهتمامًا خاصًّا بالتَّعليم ما قبل الجامعي؛ وهو ما أدَّى إلى ارتفاع عدد المدارس بشكلٍ مضطردٍ من 197 مدرسةً إلى 759 مدرسةً ابتدائيَّة، ومن 23 مدرسةً إلى 300 مدرسةً إعداديَّة، ومن 3 مدارس إلى 192 مدرسةً ثانويَّة، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 1975 و2008م. ومع تشييد المدارس زاد بطبيعة الحال عدد الفصول حتَّى وصل عام 2008م إلى 9171 فصلًا في المرحلة الابتدائيَّة، و5149 فصلًا بالمرحلة الإعداديَّة، و5347 فصلًا بالمرحلة الثَّانويَّة؛ ممَّا أتاح الفرصة لزيادة عدد المقيَّدين بالتَّعليم ما قبل الجامعي من ما يقرب من 55 ألف مقيَّدٍ بالمرحلة الابتدائيَّة عام 1975م إلى 347 ألف مقيَّد عام 2008 في المرحلة نفسها، ومن 1095 مقيَّدًا عام 1975م إلى 65 ألف مقيَّد عام 2008م للمرحلة الإعداديَّة، ومن 200 مقيَّد عام 1975م إلى 129 ألف مقيَّد للمرحلة الثَّانويَّة عام 2008م. ونتيجةً للزيادة الكبيرة في أعداد المدارس واستيعاب عددٍ أكبر من المقيَّدين اتَّجهت السَّلطنة إلى توفير عددٍ كبيرٍ من المعلِّمين والإداريِّين القائمين بالعمليَّة التَّعليميَّة، ومن ثمَّ فقد تطوَّر عدد المعلِّمين من 1980 معلمًا عام 1975 إلى 43149 معلِّمًا في عام 2008م، كما تطوَّر عدد الإداريِّين من 250 إداريًّا عام 1975م إلى 6400 إداريٍّ عام 2008م .

ويقول الباحث مستنتجًا: تفاوتَ توزيع المدارس في السَّلطنة حسب الأقسام الإداريَّة ليصل إلى أكثر من 15% في شمال الباطنة، وما بين 10 و15% في مسقط و جنوب الباطنة والدَّاخلية وظفار، وأقلّ من 10 % في بقيَّة الأقسام الإداريَّة، وعلى العكس من ذلك تتوزَّع الفصول بشكلٍ متناسق في الأقسام الإداريَّة بالسَّلطنة بحسب النَّوع حيث يوجد 6788 فصلًا بمدارس البنين، و6596 فصلًا بمدارس البنات، و6283 فصلًا بالمدارس المشتركة. ومن حيث الهيكل القانوني للمدارس بلغ نسبة المدارس الحكوميَّة 80.9% من جملة أعداد المدارس بالسَّلطنة، أمَّا المدارس الخاصَّة فبلغت نسبتها 19.1% من إجمالي أعداد المدارس، وتتَّسم بالتَّركُّز بأعدادٍ كبيرةٍ في محافظة مسقط. أمَّا بالنِّسبة لعدد المعملين في المدارس في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي فقد بلغ 43149 معلِّمًا، توزَّعوا على 1047 مدرسة، بمتوسط 41 معلِّمًا لكلِّ مدرسة، وبمعدَّل نحو 2.2 معلِّم/الفصل، وتتركَّز أعداد المعلِّمين في مسقط، والباطنة شمالًا وجنوبًا، والدَّاخلية؛ حيث تستأثر بما يقرب من الثُّلثين بالنِّسبة لأعداد المعلِّمين في السَّلطنة، وقد بلغت نسبة المعلمين في المدارس الحكوميَّة نحو 92.6%، بينما بلغت نسبة أعداد المعلِّمين في المدارس الخاصَّة 7.4%.

وبلغت أعداد الإداريِّين العاملين في التَّنظيم الإداريِّ للتَّعليم ما قبل الجامعيِّ بالسَّلطنة نحو 6400 إداريٍّ، موزَّعين على 11 منطقةً إداريَّةً لإدارة النَّواحي التَّعليميَّة.  وبلغت أعلى نسبةٍ من الإداريِّين في الباطنة شمال بنسبة 18.3%. ومن حيث الهيكل القانوني للمدارس فقد بلغت نسبة الإداريِّين بالمدارس الحكوميَّة 91.8% مقابل 8.2% بالمدارس الخاصَّة بالسَّلطنة، وبلغ المتوسِّط العام لنصيب كلِّ مدرسةٍ من أعداد الإداريِّين نحو 6 إداريِّين/ مدرسة.

ومن نتائج الدِّراسة أنَّ معظم المقيَّدين يرون أنَّ كثافة الفصول مناسبة، بينما انقسمت آراء المعلِّمين بين كونها مناسبةً إلى ضعيفة، وأنَّ غالبية المعلِّمين يذهبون إلى المدارس عن طريق السَّيارة الخاصَّة بينما غالبيَّة المقيَّدين يذهبون إلى المدرسة عن طريق الحافلة المدرسيَّة، وأنَّ غالبية المقيَّدين والمعلِّمين يرون قرب المسكن من المدارس.

وختم الباحث أطروحته بعدَّة توصياتٍ ومقترحاتٍ منها: إتاحة فرصٍ أكبر للمعلِّمين لاستخدام وسائل التِّكنولوجيا الحديثة الَّتي تتوفَّر في المدارس، وتطوير الفصول، وغرف مصادر التَّعلُّم، وإعادة النَّظر في بعض المناهج الَّتي لا تفيد الطَّالب بشكلٍ مباشرٍ وتثقل عليه، وتقليل عدد الحصص الخاصَّة بكلِّ معلِّم. يقترح بعض المعلِّمين إلغاء نظام التَّعليم الأساسيِّ الَّذي يقسِّم مرحلة التَّعليم ما قبل الجامعي إلى مرحلةٍ أولى وثانيةٍ، وإعادة العمل بنظام التَّعليم العام الابتدائي والإعداديِّ والثَّانوي. إضافةً إلى تزويد المدارس بأخصائيِّين اجتماعيِّين لحلِّ المشكلات الاجتماعيَّة للطُّلاب والتَّواصل مع أهليهم، وإشراك المعلِّمين في الدَّورات التَّدريبيَّة والتَّثقيفيَّة الَّتي تزيد من مهاراتهم وتطلِعهم على الأساليب الحديثة في التربية والتَّعلُّم، إلى جانب زيادة عدد المدارس، والفصول؛ لتقليص كثافة الفصل العالية في بعض المدارس، ممَّا يسهم في إنجاح العمليَّة التَّعليميَّة.  

الجدير بالذِّكر أنَّ الدُّكتور صالح بن منصور العزري يشغل حاليًّا منصب مساعد رئيس جامعة نزوى لشؤون الطُّلاب، وقد تدرَّج في المناصب والمسؤوليَّات فقد كان في السَّابق معلِّمًا في مدرسة السُّلطان قابوس بنيابة بركة الموز بولاية نزوى، ثم  نائبًا لمدير المدرسة، ثمَّ مديرًا للمدرسة نفسها، بعدها عيِّن مديرًا لدائرة الخدمات في جامعة نزوى، ثم مديرًا لدائرة شؤون الطُّلاب، ثم مديرًا لمركز خدمة المجتمع بالجامعة، ثمَّ مساعدًا لرئيس الجامعة لشؤون الطُّلاب.

 

 

  



© 2025 جامعة نزوى