نظّم مركزالخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية يوم الأحد الموافق 11/11/2012م محاضرة بعنوان "الأسس العلمية في خطط الحفظ الوقائية والعلاجية للمخطوطات والوثائق"قدّمها أ. د. بسام غسّان داغستاني -رئيس قسم الحفظ والمعالجة والترميم في مركز جمعة الماجد للثقافة، والخبير العالمي المعتمد من اليونسكو في الوثائق والمخطوطات-. حيث بدء الحديث د. محمد المحروقي -مدير المركز- قائلا: إن هذه المحاضرة المهمة تأتي في إطار برنامج "مشارق الفكر" الذي يتبنّاه المركز ويهدف إلى استضافة أعلام الفكر العالمي والعربي وأصحاب التجارب البارزة. وتقع هذه المحاضرة بشكل خاص ضمن ما تتميّز به عمان من ثروة مخطوطة ضخمة لا مثيل لها في المنطقة، وهي –رغم الجهود الرسمية المبذولة - تحتاجلتكاثفالجهودعشرات المرات حتى تؤتي بعض الثمار الطيبة. وقال المحروقي: إن التقديرات الرسمية لعدد المخطوطات الموجودة بأيدي الناس وفي ظروف صحيّة غير ملائمة تقدّر بستين ألف مخطوطة.
بعد ذلك بدأ د. داغستاني محاضرته متطرقا إلى ثلاثة محاور تمرّ بها عملية ترميم وحفظ المخطوطات وسائر الأوعية الورقية؛ فالمحور الأول هو وضع خطة استباقية لحفظ هذه الأوعية بما يضمن سلامتها في المستودعات من أية إصابة. وتشمل هذهالمرحلة المعاينة الدورية والمستمرة للأوعية الثقافية المختلفة (مخطوطات – مطبوعات - وثائق) في المستودعات الرئيسة والفرعية والكشف عليها وبيان حالتها الصحية وتحديدها، والمراقبة الدورية للنظافة والشروط المناخية داخل المبنىوالمستودعات،والإشراف على عملية تعقيم المستودعات والقاعات، والإشراف على عملية تغليف تلك الأوعية ونقلها من مكان لأخر، و الإشراف على عملية عرض الوثائق والمخطوطات.
ويتصل المحور الثاني بوضع خطة حفظ علاجية لهذه الأوعية بما يضمن تخليصها من كل الإصابات الموجودة داخلها وإعادتها إلى حالتها السليمة كما كانت قبل الإصابة وتشمل: المعالجات الكيميائية بالتعقيم لتخليص هذه الأوعية من الآفات البيولوجية الموجودة بداخلها، والتنظيف لتخليص هذه الأوعية من الأتربة والغبار والعوالق الصلبة والبقع والتشربات اللونية من على سطحها، وكذلك تعديل الحموضة، وإعادة المتانة والمرونة.
ومن أهم عمليات هذه المرحلة"الترميم" وهو نوعان يدوي وآلي أما اليدوي فهو أغلى أنواع الترميم ، ويختص بالأعمال النادرة ويقوم به موظف مختصّ، متمتع بصبر وأناة،والخطأ في الترميم اليدوي غير مسموح به، وهو يحتاج لمواد بسيطة جداً. وهناك الترميم بطريقة الفسخ، أي أن نشطر الورقة إلى شطرين وإضافة مادة الترميم بينهما. وهي عملية دقيقة للغاية.
في حين أن الترميم الآلي يحتاج ثلاثة عناصر هي: الجهاز والمادة السلولوزية ، ونظام احتساب الكميات.وهنا تقوم الآلة بكل العمل، وميزات الترميم الآلي أنه يختصر العمل اليدوي فعمل يومين لورقة واحدة يأخذ بالجهاز دقيقة واحدة فقط.
وعند معالجة الحموضة ننتبه جيدا للورقة وحالتها ويكون ذلك بوضعها في أحواض بها مادة معالجة للحموضة، ونقوم بتنظيف البقع والتسرّبات اللونية الناتجة عن انسكاب السوائل كالماء والقهوة والشاي. وقد قام الباحث بعرض شرائح توضيحية لمراحل الترميم والمعالجة المختلفة مدّعمة بالصور التفصيلية.
وذكر الخبير الدولي في المخطوطات والوثائق د. بسّام داغستاني أن الكتب المطبوعة في القرن التاسع عشر لها وضع خاص حيث أنها مصنوعة من الخشب وهي بذلك عرضة لأنواع التلف والشوائب أكثر من غيرها، وهذه النوعية من الكتب تتكسّر بسرعة فور ملامستها، وبعد عشر سنوات يبدأ هذا الورق بفناء نفسه بنفسه، وقد تصدّت ألمانيا وروسيا لمعالجة هذه المشكلة، والمراكز التي تتعامل مع هذا النوع من الورق قليلة ولا تتجاوز أصابع اليد.
ومن طرق المعالجة التي لا يلجأ إليها إلا في الأخير هي "التدعيم الحراري". وقد ذكر الباحث أن "آخر العلاج الكي"، فمشكلته أنه يمنح الوعاء فترة عمرية صغيرة نسبياً، وهو لا يستخدم إلا للصحف.
وفي نهاية محاضرته الشائقة تحدث الباحث عن المحور الثالث، وهو محور الحفظ وبه عمليات التصوير والتجليد، والنسخة الأصلية ينبغي أن لا تمتد إليها اليد، وإنما يستخدم الباحثون النسخة المصوّرة رقمياً أو ورقيّاً، وللتجليد نوعان هما الفن الحديث للمطبوعات، والتجليد العربي الإسلام . فتجليد المخطوط هو هويته، والمخطوط الإسلامي مرّ بفنون تجليد متعددة زمنياً حسب العصور والبيئات الإسلامية المختلفة، وفي نهاية عملية التجليد يمسح الغلاف ببعض الدهون للحفاظ عليه، وهناك مخطوطات نضع لها علباً لحفظها مصنوعة من المواد الطبيعية.
الأمر الآخر هو التخزين، وهو أهم ما في عمليات الحفظ؛ ذلك أنه دون وجود المخزن الملائم بالشروط المطلوبة فإن العمليات السابقة ستكون غير ناجعة فالحرارة ينبغي أن تكون في درجة خاصة، والرطوبة بين 45-55 ، ويجب أن يكون المخزن مظلماً تماماً.
واختتم المحاضر حديثه بقوله: إنّ الأمّة التي لا تمتلك مخطوطات لا تمتلك تاريخاً. وأن عمان تمتلك إرثاً تاريخياً ضخماً، والحاجة ملّحة للحفاظ على هذا الإرث. وقد دعى الباحث المسؤولين إلى دعم مشروع "معمل ترميم المخطوطات والوثائق" الذي يتبناه مركز الفراهيدي، كونه خطوة علمية مدروسة تقوم بها جامعة تمتلك المقومات العلمية المطلوبة لأجل ذلك.
وقد أثار الأساتذة والطلبة الحاضرون العديد من الأسئلة المهمّة حول واقع المخطوط العربي والعماني بوجه الخصوص. وقال بعضهم: إن هذه المحاضرة جعلتنا ندرك أهمية المخطوط لنا فهو يستحق التوقير والتعامل اللطيف.
|