السابق | رجوع | الرئيسة | التالي |
د. محمد بن ناصر المحروقي، مدير مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدِّراسات العربيَّة في الجامعة:
نطمح إلى إيجاد قاعدةٍ بحثيّةٍ مشتركة بين السلطنة وجزر القمر لخدمة الباحثين
العُمانيون حكموا جزيرتي "مايوت" و"مهيلي" فترات طويلة ما تزال آثارهم باقية
المصدر – محمَّد بن سليمان الحضرمي، صحفي في جريدة عُمان:
تشهد جمهورية جزر القمر المتحدة مساء السبت الموافق الثامن من الشهر الجاري، انطلاقة فعاليات الأيام الثقافية العمانية، التي ينظمها "مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربيَّة" بجامعة نزوى، و"مكتبة الندوة العامة" ببهلا، و"بيت الغشام" للنشر والترجمة، وذلك تحت رعاية فخامة الرئيس الدكتور إجلال ظنين، حيث سيقلي في الحفل كلمة احتفاء بهذه المناسبة الثقافية، التي تستقبلها الجزر بكل حفاوة وترحاب، تجسيرا للعلاقة الثقافية بين البلدين، وحول هذه المشاركة أجرت عمان حوارا مع الكاتب الدكتور محمد بن ناصر المحروقي مدير مركز الفراهيدي، حيث قام بالتخطيط لهذه الفعالية، وإجراء جلسات مع المنظمين، ومؤسسات ثقافية رسمية وخاصة، من أجل أن تخرج الفعالية بالصورة المشرِّفة واللائقة بالسلطنة، التي اعتادت مد حبال الوصل بين الأخوة الأشقاء ودول الجوار، وفي هذا الحوار يكشف المحروقي تفاصيل الأيام القادمة، وأهميتها، وتخطيط الجهات المنظمة، وما ستخرج به من نتائج إيجابية.
- لأول مرة ينظم مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية بجامعة نزوى فعالية ثقافية خارج السلطنة، كيف خططتم لإقامتها مع الجهات الأخرى التي شاركتكم التنظيم؟
هذا صحيح. وهذه بداية لأنشطة علمية قادمة داخليا وخارجيا. وتنظيم مثل هذه الفعاليات جزء من رسالة جامعة نزوى المتمثلة في "نشر الفكر الإيجابي"، ومع الرسالة العلمية لمركز الفراهيدي، ثمة موضوعات ينبغي أن تخصص حولها المؤتمر والندوات والدراسات العلمية، وثمة مناطق ينبغي سبر غورها لإبراز الدور الحضاري العماني. هذا الدور لا يتم إبرازه بالشكل الكافي حاليا. أعني لا توجد استراتيجيات لها أهداف واضحة وخطة زمنية دقيقة لبلوغ تلك الأهداف، وإنما هي اجتهادات ومحاولات ومناشط موسمية. وفي مركز الفراهيدي نحاول أن نؤسس لرؤية ناضجة، كتلك التي أشرت إليها، ونحن ما زلنا في بداية الطريق، غير إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، وخطوتنا الأولى تسير بالاتجاه القمري إن صحّ التعبير.
هذه الفعالية مبنيّة على زيارات سابقة متبادلة في الفترة الأخيرة، لقد قام الدكتور حامد كرهيلا بزيارة السلطنة سابقاً، وأبدى اهتماما واضحاً في دراسة العلاقات العمانية القمرية، نتج عنه كتابان اثنان هما "العلاقات القمرية مع الدولة البوسعيدية" وكتاب "صراع الحب والسلطة، السلطانة "جومبي فاطمة" والصراع العماني الفرنسي على جزر القمر". وعندما طرح عليَّ الكاتب والباحث خميس بن راشد العدوي، رئيس مجلس المؤسسين بمكتبة الندوة العامة ببهلا، فكرة الإعداد المشترك لفعالية ثقافية، قمت بصياغة التصوّر بكل سلاسة، لأن فصوله مكتملة في ذهني وقلبي. وعندما عرضنا المشروع المكتوب على الكاتب محمد بن سيف الرحبي مدير "بيت الغشام"، لم يتأخر الرد أبدا، في الإسهام الفعّال لتنظيم هذه الفعالية وإخراجها للنور. وقد ساندت المؤسسات التي ننتمي إليها أفكارنا واعتمدتها. هذه المؤسسات هي "جامعة نزوى"و"مكتبة الندوة العامة" ببهلاء و"بيت الغشام" للنشر والترجمة و"مؤسسة الوفاء" القمرية.
وهذا التضافر العماني القمري دليل على رغبة مشتركة، في إذكاء الأبعاد المختلفة لعلاقة أشبه ما يكون بعلاقة الرحم بين النُّسَبَاء.
وقد قمت قبل ثلاثة أعوام بزيارة جزر القمر الثلاث: القمر الكبرى، ومهيلي، وأنجوان، نتج عنها جمع الكثير من المخطوطات، والوثائق المتصلة بالعلاقات التاريخية المشتركة. كما نتج عنها خلق علاقات عميقة مع كوكبة من مفكري جزر القمر، يسهمون الآن في نجاح هذه الفعالية. بشكل منقطع النظير، مثل د. حامد كرهيلا، والشيخ سالم جابر، والأستاذ السيد هاشم محمد علي، وغيرهم من المثقفين القمريين.
امتداد لعلاقات قديمة
- لماذا اخترتم جزر القمر مكانا لإقامتها؟
تحتفظ عمان بعلاقات ضاربة في القدم مع شرق أفريقيا، من الصومال وحتى مدغشقر. وقد تسلل التأثير العماني الديني واللغوي والحضاري، فأثّر بقوة على شعوب تلك المنطقة، فانتشر الإسلام، وانخلقت لغات جديدة متأثّرة باللغة العربية بشكل كبير جداً، مثل القمرية والسواحلية، لقد سافر أجدادنا بسفن شراعية إلى تلك الأماكن الشاسعة. وتأتي هذه الفعالية تجديداً لذكرى سفر الأسلاف المشار إليه. وتأتي دولة جزر القمر الاتحادية، واحدة من الدول الشرق الأفريقي، التي استقبلت الهجرات العمانية والحضرمية. ومع ذلك فإن هذا التواصل حدّ الامتزاج قليلا، ما يشار إليه في الكتب المدرسية والجامعية والثقافة العامة.
لقد حكم النباهنة والمناذرة جزيرة "مايوت"فترات طويلة، وامتزج المهاجرون الأوائل مع السكان امتزاجاً تاماً. ثم في العصر الحديث حكم فرع من أسرة ألبوسعيد على جزيرة "مهيلي"، ولا تزال آثارهم، بل وأحفادهم يعيشون في أرض هذه الجزيرة السَّاحرة .
إن جزر القمر تتوفر على عمق تاريخي مشترك معنا، يتسم بالثراء والحيوية والتواصل. وهذا هو السبب الأول لإقامة هذه الفعالية في الجزر.
ويتمثل السبب الثاني أن الجزر دولة عربية شقيقة، عملت السلطنة جهداً كبيراً سياسياً لإلحاقها بجامعة الدول العربية، والتواصل مع دولة شقيقة تشترك معنا في الدين والهويّة والتاريخ والمستقبل. وفي العصر الحالي فإنّ الأحوال الاقتصادية بهذه الدولة الشقيقة لا تسعدنا أبداً، خاصة فيما يتصل بوضع التعليم بها. والأمل كبير أن تفتح مؤسسات التعليمية العمانية أبوابها، لتعليم مجموعة طيبة من الطلاب، على مستوى التعليم الجامعي وفوق الجامعي.
إن عُمان دولة كبيرة، بحضارتها وتاريخها، وعليها دَيْنٌ للمناطق التي كانت ضمن نفوذ امبراطوريتها، عليها الوفاء بها. ولا شك أن هناك جهوداً حكومية مشكورة في هذا الاتجاه.
إيجاد قاعدة بحثية مشتركة
- هل هي ستقدم هذه الفعالية بصورة سنوية؟
قد يكون من الصعوبة بمكان إقامة هذه الفعاليات بشكل سنوي، لكن لا يوجد مانع حسب ملاحظاتي المبدئية من إقامتها كل سنتين في أحد القطرين. والمهم جداً هو الحرص على إقامتها، والحرص على إيجابية نتائجها، وخدمتها للطلاب القمريين والباحثين على الجانبين المختلفين. إننا نطمح إلى إيجاد قاعدة بحثية مشتركة، وبالفعل بدأنا التواصل، وبلورة مشاريع بحثية، سترى النور قريباً إن شاء الله.
- حدثنا عن تفاصيل أخرى فيما يخص العلاقة الثقافية بين السلطنة وجزر القمر؟
نعم، هناك كتاب عن تاريخ جزر القمر، أعدّه الباحث الدكتور زين العابدين محمد كمال، وسنقوم بطباعته، اشتراكاً مع بيت الغشام للنشر والترجمة. وكذلك هناك مشاريع لتحقيق مخطوطات ووثائق قمرية ونشرها.
- ماذا تمثل هذه الفعالية للجهات المنظّمة؟
الجهات المنظّمة هي مؤسسات أهليّة مدنية عمانية وقمرية، وقد دعمتها مؤسسات حكومية، داعمة للمبادرات الايجابية المدروسة، بما يتناسب مع ماضي عمان التليد وحاضرها المشرق.
ولنبدأ بالمؤسسات الحكومية الداعمة من الجانبين العماني والقمري، فعلى المستوى العماني فإن جميع المؤسسات التي تواصلنا معها للمشاركة ردت بالإيجاب، فلها خالص الشكر وعظيم التقدير، وهذه المؤسسات هي: وزارة التراث والثقافة، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ومؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
أما على الجانب الآخر القمري، فقد حظيت الفعالية بدعم حكومي عال، يتمثل في رعاية فخامة الدكتور إكليل ظنين حفل الافتتاح، وتشريفه الحفل، بإلقاء كلمة ترحيبية، ثم تقديم الكلمة الرسمية لافتتاح الفعالية، وجرت على هذا الخط وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وشؤون الشباب، وجامعتي جزر القمر وأنجوان.
العمل المشترك يذلل الصعاب
- حدثنا عن مشاركة "مكتبة الندوة العامة" و"بيت الغشام" في تنظيم الفعالية إلى جانبكم.
دعني أولاً أحيّ المؤسستين على جهدهما الرائع، في خدمة الثقافة وخدمة المثقفين، أنا أنظر إليها أنهما تجربتان مشرقتان في عمان تستحقان الاحتذاء، لقد بادرت المؤسستان في تقديم خدمات جليلة للقرّاء والكتاب في السلطنة، إلى جانب الدور الذي تضطلع به المؤسسات الحكومية الأخرى، وقد بدأت مكتبة الندوة حصد جهود الشباب المخلصين في العمل التطوعي، في فوزها بالمركز الأول بجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي في المجال الثقافي.ومؤسسة الغشام تسير في خط واضح متصاعد. أتمنى للمؤسستين كل النجاح والتفوق. ونحن في مركز الفراهيدي منتبهون إلى أهمية العمل المشترك مع هاتين المؤسستين. إن الهم الثقافي في عمان كبير جدا، تنوء بحمله العصبة أولو القوة. وبالعمل المشترك ستُذلل الصعاب. وهذه هي المبادرة الأولى، وقد سبقها أحاديث واستشارات، وسيعقبها مشاريع عمل إن شاء الله.
-يعدّ مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية الذي تديرونه، نافذة مشرعة على الأعمال الثقافية، ومن المؤمل أن يقوم بفعاليات ثقافية متواصلة، حدثنا عن مشاريع المركز القادمة.
تضم جامعة نزوى مركزين علميين اثنين، الأول "مركز دارس" للبحث العلمي والتطوير التقني، الذي يُعنى بالأبحاث والمشاريع العلمية، والثاني مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدراسات العربية المهتم بالعلوم الانسانية والاجتماعية، ومركز دارس تجري فيه مشاريع علمية كبرى، مثل مشروع استخلاص الخصائص العطرية والطبية للبان العماني، الذي يرأسه د. أحمد الحراصي، وهناك كرسي بحثي بالمركز لدراسة الأعشاب البحرية وخصائصها، ومشاريع عديدة أخرى، وفي جامعة نزوى تم انشاء وحدة للأفلاج، يرأسها د. عبدالله الغافري لإقامة الدراسات والمؤتمرات، حول كل ما يتصل بالأفلاج من قضايا وإشكاليات، والمؤمل أن تستقطب هذه الوحدة خبرات عريقة من مختلف جامعات العالم.
مجلة "الخليل" للدراسات
ويسعى مركز الفراهيدي إلى تنظيم المؤتمرات والندوات العلمية في المجالات المختلفة، خاصة ما يتصل بعمان تاريخاً وحاضراً. وأبرز مشاريعنا القادمة إن شاء الله هو تدشين مجلة علمية محكّمة اسمها"الخليل .. مجلة جامعة نزوى للدراسات الأدبية واللغوية". وستسد المجلة فراغاً ملحوظا الآن في المكتبة العمانية. وهي تسعى إلى التميز على المستوى العربي والعالمي، وتستقطب مشاركات الأكاديميين من الجامعات العربية والغربية. ويشرف عليها مجلس استشاري من أساتذة مرموقين على مستوى العالم، منهم البروفيسور محمد الهادي الطرابلسي من جامعة السلطان قابوس، والبروفيسور ستيفان شبيل من جامعة لندن، والبروفيسور حسن النعمي من جامعة الملك سعود.
والنشاط الثاني القادم يتمثل في الاحتفاء بشخصية عمانية مؤثرة، هي شخصية الشيخ "درويش بن جمعة المحروقي"، عبر ندوة علمية ستقام في شهر أكتوبر القادم، بالشراكة مع المنتدى الأدبي، وقد دأب المنتدى على إقامة هذه الندوات كل عام، وأخرج حتى الآن دراسات مهمة، غطت فراغا كبيرا، وقد أرتأى المنتدى أن يجدد في روح هذه الندوة، ويسندها إلى مؤسسة علمية، متمثلة في جامعة نزوى لتقوم بالتخطيط لها وتنفيذها. وقد استقبلنا الكثير من الدراسات التي ترغب في المشاركة بهذه الندوة. وإلى جانب مشاركة الأساتذة الدكاترة ستفتح الندوة المجال لطلاب الماجستير للمشاركة وكسب الخبرة، وذلك من منطلق حرص الجامعة والمنتدى على رعاية المواهب البحثية الشابة. وسيشترك في الندوة مجموعة من المفكرين العمانيين البارزين، ومحققي كتب الشيخ المحروقي.
هذان هما أهم المشاريع في المرحلة القريبة القادمة، وسيواصل المركز تقديم المحاضرات المهمة، التي ابتدأها عبر برنامج "مشارق الفكر"، واستضاف نخبة من أساتذة الجامعات. كان أولى محاضراته عن"الوثائق العمانية في الأراشيف البرتغالية"، التي قدّمها بروف توماس فيرنيه، ثم بعد ذلك محاضرة بعنوان "الهجرات العمانية إلى أسبانيا الإسلامية" للدكتور جوستافو تورينتو.
كما حرص المركز على المشاركة الفاعلة في الموسم الثقافي لجامعة نزوى، بفعاليات مختلفة، أبرزها فعالية "العالم يتكلم شِعراً" التي يقدّم فيها الطلاب والأساتذة قراءات شعرية بلغات مختلفة، وهي فعالية تجد في العادة إقبالاً كبيراً جدا من طلاب الجامعة.
علائق التاريخ والهويّة
- أخيرا حدثنا عن برنامج الأيام الثقافية العمانية القمرية القادمة، وكيف تم وضعه؟
لقد بحثنا في هذا الجانب، ووجدنا أن العلاقة بين كلا البلدين ترتكز على بعدين موضوعيين هما؛ التاريخ والهويّة، ولذلك جعلنا المحاضرات متدّعمة من قبل الجانبين، غطت العلاقات المتبادلة، ومحددات الهوية.
وحيث إن الأدب أهم مؤشر لروح الأمة، فقد تمّ تخصيص أمسيات وأصبوحات شعرية وسردية يشارك بها مبدعون من الجانبين العماني والقمري، ويصاحب هذه الفعاليات معرض للكتاب العماني، يعرض ما انتجته المواهب العمانية قديماً وحديثاً، بمشاركة جهات نشر ومؤسسات ثقافية عمانية.
ومعرض ثانٍ لأحدث ما توصلت إليه التجربة الفنية التشكيلية في السلطنة، بمشاركة مجموعة من اللوحات والأعمال، تمثل مختلف الاتجاهات الفنية للتشكيليين العمانيين.
ولأجل اهميتها فإن أيام الفعالية في جزيرة "القمر الكبرى" أخذت نصيب الأسد، إذ امتدت الفعاليات فيها على مدى أربع أيام. وسيكون بها حفلي الافتتاح والختام. في أبرز معلم من معالم البلاد، وهو المبنى الاتحادي . وبعد ذلك حظيت جزيرة "انجوان" بفعاليات علمية وأدبية على مدى يوم كامل، وكذلك الحال في جزيرة "مهيلي".
وعلى هامش هذه الفعاليات تم إعداد برنامج سياحي، للتعرّف على أبرز المظاهر الطبيعية والجمالية بجزر القمر. مثل زيارة بركان "كارتلا" في القمر الكبرى، و"حدائق الزهور"، التي تغذِّي المصانع الفرنسية، وسواحل جزيرة مهيلي الفاتنة.